رؤية شي الاقتصادية: كيف تعزز فلسفة شي الاقتصادية الحوكمة العالمية
قال الرئيس الصيني شي جين بينغ للجلسة الافتراضية للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022 في منتصف يناير "إن الطريق الصحيح للمضي قدما أمام البشرية هو التنمية السلمية والتعاون القائم على الكسب المشترك"، حيث عرض حلول الصين للتحديات العالمية، بما في ذلك جائحة كوفيد-19.
وأضاف أن "مختلف الدول والحضارات يمكن أن تزدهر معا على أساس احترام بعضها البعض، وتسعى إلى أرضية مشتركة ونتائج تقوم على الكسب المشترك من خلال تنحية الخلافات جانبا".
وتناولت تصريحات الرئيس شي بالتفصيل "رؤية شي الاقتصادية"، أو الفلسفة الاقتصادية للرئيس الصيني، لتثبت التزام الصين ببناء عالم متناغم، ودفع التنمية المشتركة، وتعزيز المصالح المشتركة للبشرية.
-- انفتاح أوسع
"نحن بحاجة إلى التعلم من المقارنات بين دورات التاريخ الطويلة، ورؤية التغيير في الأشياء من خلال الفروق الدقيقة. نحن بحاجة إلى دعم فرص جديدة وسط الأزمات، وفتح آفاق جديدة أمام مشهد متغير، والعمل على تضافر الجهود لتجاوز الصعوبات والتحديات"، هكذا قال الرئيس شي في خطابه الخاص، ملقيا نظرة ثاقبة على العالم الذي ضربته جائحة كوفيد-19 وتباطؤ في النمو الاقتصادي.
في العامين الماضيين، وبتوجيه من الفكر الاقتصادي للرئيس شي، حققت الصين توازنا دقيقا بين السيطرة على الجائحة والتنمية الاقتصادية.
في عام 2020، برزت الصين باعتبارها الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي حقق نموا إيجابيا. وفي عام 2021، شهد ناتجها المحلي الإجمالي زيادة على أساس سنوي بلغت 8.1 في المائة، لتسهم بنحو الربع في النمو الاقتصادي العالمي وتتجاوز معظم توقعات السوق. كما لعبت البلاد دورا حاسما لا غنى عنه في دعم سلاسل التوريد العالمية.
بدوره، قال ألكسندر بيتروف، الأستاذ في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، إن نجاح الصين أثبت أنه في اقتصاد السوق الاشتراكي، من الممكن تحقيق التنسيق بين كفاءة التنمية الاقتصادية والحوكمة الاجتماعية، وهو أمر ضروري لتحقيق الانتعاش الاقتصادي العالمي في حقبة ما بعد الجائحة.
وذكر يوخن غولر، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة ((بي إم دبليو)) في الصين، أن الصين أصبحت مرة أخرى "قوة دافعة للاقتصاد العالمي"، مشيدا بجهود الصين المنسقة ومرونتها القوية في مكافحة كوفيد-19 بنجاح وتعزيز الانتعاش الاقتصادي.
لقد أصبح النمو المطرد في الصين بمثابة عامل استقرار للاقتصاد العالمي وسط الجائحة. فهي (الصين) تطبق فلسفة تنموية تتسم بالانفتاح والتعاون، وهو ما ساعد على تعزيز التضامن العالمي من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي.
قال الرئيس شي "ينبغي على الدول في جميع أنحاء العالم التمسك بالتعددية الحقيقية. علينا إزالة الحواجز، وليس بناء الجدران. علينا الانفتاح، وليس الإنغلاق. علينا السعي إلى التكامل، وليس فك الارتباط. هذا هو السبيل لبناء اقتصاد عالمي مفتوح".
وحث الرئيس شي الدول في جميع أنحاء العالم على "جعل العولمة الاقتصادية أكثر انفتاحا وشمولا وتوازنا وإفادة للجميع، وإطلاق العنان بشكل كامل لحيوية الاقتصاد العالمي".
وأشار همفري موشي، مدير مركز الدراسات الصينية في جامعة دار السلام بتنزانيا، إلى أن "الصين تقف في طليعة التشجيع على التعددية بين دول العالم، وهي تفعل ذلك من خلال التعاون المرتكز على المبادئ المتمثلة في وضع يقوم على الكسب المشترك".
وذكر موشي أن "الصين، بصفتها داعما قويا للعولمة، تشارك بنشاط في التعاون الدولي لمكافحة كوفيد-19 وتعززه، وتوفر المعدات الطبية ولقاحات كوفيد-19 للعديد من البلدان".
وقال الرئيس شي في حفل افتتاح الدورة الرابعة من معرض الصين الدولي للاستيراد في نوفمبر 2021 "إن الصين مستعدة للعمل مع جميع الدول لبناء اقتصاد عالمي مفتوح حتى يبث نسيم ربيع الانفتاح الدفء في جميع أنحاء العالم". وأكد مجددا عزم الصين على الانفتاح على نطاق أوسع وبمعايير عالية.
من تقليص القائمة السلبية للاستثمار الأجنبي وتحسين بيئة الأعمال إلى توسيع الانفتاح المؤسسي، أوفت الصين بالتزاماتها من خلال توفير المزيد من الفرص للبلدان الأخرى، الأمر الذي ضخ زخما جديدا في التعافي الاقتصادي العالمي.
وذكر هونسون تو، رئيس مجلس إدارة شركة ((كي بي إم جي)) في الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، أن الصين واصلت الانفتاح على نطاق أوسع على العالم، ودعمت التعددية ومارستها، كما سعت بنشاط إلى تحقيق تعاون عالمي أكثر شمولا، وهو ما بعث بإشارة إيجابية مفادها أن الصين مستعدة للعمل مع الدول الأخرى من أجل مستقبل أفضل.
-- فائدة تعم على الجميع
في الوقت الذي يكافح فيه المجتمع الدولي لتقليص فجوة التنمية وضمان تكافؤ الفرص للجميع، عرضت الصين حلها للمشكلة من خلال التركيز على رغبة الشعب في حياة سعيدة.
قال الرئيس شي في جلسة المنتدى التي عُقدت في يناير "بغض النظر عن الصعوبات التي قد تصادفنا في طريقنا، يجب علينا الالتزام بفلسفة تنمية تتمحور حول الشعب، ووضع التنمية وسبل العيش في طليعة ومحور سياسات الاقتصاد الكلي العالمية، وتحقيق خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، وبناء قدر أكبر من التآزر بين آليات التعاون التنموي القائمة لدفع تحقيق تنمية متوازنة في جميع أنحاء العالم".
ويرى رافائيل توجو، الأمين العام لحزب اليوبيل الحاكم في كينيا، من وجهة نظره إن فلسفة التنمية المتمحورة حول الشعب التي أكد عليها الرئيس شي تتجلى تماما في تصريحات الرئيس الصيني الشهيرة التي قال فيها "من أجل مصلحة شعبي، سأضع الرفاه الخاص بي جانبا".
بحلول نهاية عام 2020، انتشلت الصين من الفقر جميع سكان الريف الذين يعيشون تحت خط الفقر الحالي وحققت هدف القضاء على الفقر المحدد في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 قبل 10 سنوات من الموعد المحدد.
إن رفاه شعبها ليس الشيء الوحيد الذي تهتم به الصين. فقد أشار الرئيس شي إلى أنه "على الطريق نحو رفاه البشرية جمعاء، لا ينبغي ترك أي بلد أو أمة خلف الركب".
ومن تنمية الصين إلى التنمية الشاملة والمشتركة للبلدان في جميع أنحاء العالم، يعالج الفكر الاقتصادي للرئيس شي الحاجة إلى تنمية البشرية من خلال مجموعة متنوعة من أطر التعاون، مثل مبادرة الحزام والطريق.
فخط السكك الحديدية بين مومباسا ونيروبي هو مشروع ضخم في إطار مبادرة الحزام والطريق. وقد عزز اقتصاد كينيا من خلال تحسين نقل البضائع بشكل كبير، وعاد بفوائد كبيرة على السكان المحليين، وعمل في الوقت نفسه على حماية البيئة الإيكولوجية المحلية.
وكان الرئيس الكيني أوهورو كينياتا قد قال خلال رحلة تجريبية لخط السكك الحديدية إن هذه هي بداية التحول الذي سيخلق وظائف، وأملا، وفرصا، وازدهارا لجميع الكينيين.
ومن المشاريع البارزة الأخرى للتعاون في إطار الحزام والطريق خط السكك الحديدية بين الصين ولاوس البالغ طوله 1035 كيلومترا، والذي فتح هذه الدولة غير الساحلية الواقعة في جنوب شرق آسيا وربطها بأسواق بعيدة مثل أسواق أوروبا منذ تشغيل خط السكك الحديدية هذا في 3 ديسمبر 2021.
وقد قال سوماد فولسينا، نائب رئيس الجمعية الوطنية اللاوسية، إنه على الرغم من أن الصين لم تكن أول دولة تعرب عن استعدادها لبناء خط سكة حديدية في لاوس، إلا أنها الدولة الوحيدة التي حولت ذلك إلى حقيقة.
وذكر فولسينا أن اقتراح الرئيس شي تعزيز الربط البيني ودفع التنمية المشتركة يتيح فرصة للتعاون بين الدول النامية.
-- تنمية من أجل الخير
لمواجهة التحديات العالمية والسعي لتحقيق التنمية المستدامة، يعمل الرئيس الصيني على تعزيز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
فقد قال الرئيس شي في كلمته للاجتماع رفيع المستوى لحوار الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب السياسية العالمية في عام 2017 إن البشرية تقف أمام خيارين -- أحدهما هو المنافسة الشرسة أو حتى الصراع المسلح على السلطة والمصلحة الذاتية، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة كارثية.
"والآخر هو أن نواكب تيار العصر ونرقى إلى مستوى التحديات من خلال التعاون العالمي"، حسبما ذكر، مضيفا أن "هذا سيخلق بدوره ظروفا مواتية لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية".
بالنسبة لخالد تيمور أكرم، المدير التنفيذي لمركز الدراسات العالمية والاستراتيجية في إسلام آباد، فإن فكرة بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية تحمل أهمية بالنسبة للتنمية العالمية اليوم.
وأشار أكرم إلى أن الصين وفرت منصة للجميع لتحويل هذه الرؤية إلى حقيقة، في وقت يبحث فيه المجتمع الدولي عن سبل لدفع التعاون وحل الخلافات.
في كلمة ألقاها في سبتمبر 2021 في المناقشة العامة للدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة عبر دائرة الفيديو، قال الرئيس شي "علينا تنشيط الاقتصاد والسعي إلى تحقيق تنمية عالمية أكثر قوة واخضرارا وتوازنا. فالتنمية هي المفتاح لرفاه الناس".
وحينها حث البلدان في جميع أنحاء المعمورة على "العمل معا لتوجيه التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل"، واقترح مبادرة التنمية العالمية لتحقيق هذه الغاية.
ولدى إشادتها بمبادرة التنمية العالمية، قالت وزيرة الشؤون الخارجية والتعاون الشرق إفريقي التنزانية ليبراتا مولامولا إن الجائحة هي تذكير بأن العالم مجتمع واحد ولا ينبغي ترك أي بلد خلف الركب.
منذ أن طرح الرئيس شي مفهوم بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية في عام 2013، تعمل الصين على إثرائه ليعكس أمل الناس من جميع البلدان في عالم أفضل.
فقد قال الرئيس شي في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقد في يناير "علينا أن نتبع اتجاه التاريخ، ونعمل من أجل نظام دولي مستقر، وندافع عن القيم المشتركة للإنسانية، ونبني مجتمعا ذا مستقبل مشترك للبشرية. علينا أن نختار الحوار وليس المواجهة، والشمول وليس الإقصاء، ونقف ضد جميع أشكال الأحادية أو الحمائية أو الهيمنة أو سياسات القوة".
وسلط روني لينز، مدير المركز الصيني-البرازيلي للبحوث والأعمال، الضوء على أن فكرة بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك هي السبيل الصحيح للتنمية البشرية، والتي يمكن أن تساعد في الحد من عدم المساواة العالمية.
إن فلسفة الرئيس الصيني ذات أهمية نظرية عميقة، هكذا ذكر مكسيم ريباتشوك الباحث البارز في المعهد المركزي للرياضيات الاقتصادية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم.
وقال ريباتشوك "نحن نتحدث عن مفاهيم تنموية مثل النمو الشامل والتداول المزدوج التي تعود بالفائدة على الشعب الصيني والشعوب في البلدان الأخرى".